ما أن أطل بوجهه على الشاشة حتى انفجرت أسارير وجه الصغيرة، تهللت وقفزت وصفقت بيديها وإنطلقت تردد وراءه "فيروس.. فيروس" سرت عدوى بهجتها إلى أقرنائها، فانخرط الجميع فى موجة من الغناء والرقص تشى بحجم بهجتهم وتفاعلهم مع فيروس زمنهم.
نجح محمد رمضان في استقطاب شريحة كبيرة، ليس فقط من الشباب ولكن أيضا وللأسف من الأطفال، تجذبهم حركاته وتقاليع ملبسه وقصة شعره، عضلاته التى يتعمد استعراضها منتشيا ومتباهيا بها، نمبر وان.. هكذا يرى نفسه وإن كان فى إمكانه أن يتبوأ تلك المكانة عن جدارة من الآخرين، ولا يحتاج إلى تزكية نفسه.
فنان بدا واعدا فى بداية مشواره.. متمكن من أدواته، موهوب، صاحب كاريزما، يقتحم القلوب، متميز، خالف ظنون وتوقعات وتربصات البعض ممن رأوه مقلدا للعبقرى الراحل أحمد زكى، لكنه نجح بجدارة أن يخلق شخصيته الخاصة وبصمته المتميزة.. وما أن نجح فى ذلك حتى جرفه تيار آخر، ربما يكون أشد خطرا من تيار الإستسلام للتقليد، أو اللعب على تشابه الملامح والأداء مع فنان كبير، رحل عن دنيانا وافتقده جمهوره، وتعلق برمضان بإعتباره امتدادا وأملا جديدا.
بلغة الارقام نجح رمضان فى حصد أعلى الإيرادات.. بدا نجما على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، ومتصدرا لأكبر الإعلانات.. نجح بلغة عصره وجيله فى أن يصبح أخطر فيروس، لكنه للأسف نسى فى غمرة عدواه بذلك الفيروس أن لموهبته حق ضيعه، وأن نجمه المتألق سيافل سريعا دون أن يترك أثرا يذكر، وأن بصمته وتميزه وكاريزمته فقدت بريقها ورونقها.. يوما ما سيتخلى جمهوره عنه مثلما تخلى هو عن فنه، وفعلها من قبل مع أمثاله ممن انشغلوا بأفلام هابطة مسفة.. لكن يبدو أنه لم يتعظ، فآثر السير على طريق محمد سعد مستبعدا نهايته.
رمضان وإن تعمد إصابه جيله بفيروس التفاهة، لكن يبدو أيضا أنه ضحية لهذا الفيروس، فأزمته أنه جاء فى الزمن الرديء فنا وثقافة وسياسة وإعلاما واقتصادا.. هو ضحية أو ربما كان أقرب لأداة تم توظيفها، لخلق مزيد من الغياب والانفصال والغيبوبة عن الواقع.
بدا رمضان بطلا في عيون أبناء جيله، أو هكذا يريد البعض تسويقه، ليصبح نجاحه مثالا يحتذى.. ولتصبح قصة شعره الغريبة موضة على رؤوس المراهقين.. ومشيته وضحكته وطريقة كلامه هى الأحب إليهم، وبلطجته وفتونته هى الطريقة والمثال الذى يحتذون به فى تعاملهم مع واقعهم.
ينكر رمضان مثلما أنكر غيره، أنه يتسبب فى إفساد الذوق العام، يرى أنه يعكس صورة ونموذجا وشرائح موجودة فى المجتمع من قبل لمعان نجمه.. ودوره أنه يلقى الضوء عليها ويظهرها ويكشف كل مافيها من عيوب وهموم ومشاكل.
تختلط الصورة، يتماهى رمضان مع جمهوره لا نعرف بالتحديد أيهما الأصل وأيهما المقلد والمجسد والصورة.. لنكتشف أن مشكلتنا ليس فى تمييز الاصل من الصورة، لكن فى ذلك المناخ الذى فرض على كل منهما أن يبدو أقرب للمسخ بلا روح ولاهدف ولاحياة.
هو بالفعل فيروس، أصاب الجميع بفعل فاعل، يتعمد الإلهاء والتشويه وتغييب الوعى.. محاربته ومواجهته والقضاء عليه يحتاج فنا راقيا مبدعا مبهرا يرتقى بالذوق وينمى الإحساس بالجمال، يحتاج فنا حقيقيا يواجه التفاهة والإسفاف والتدنى.
فن ضد الفيروس الذى أصابت عدواه المجتمع، فبتنا جميعا ضحاياه، إلا من رحم ربى.
---------------------
بقلم: هالة فؤاد